[center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللسانيات العامة
تعريف اللسانيات (للامانة العلمية هو تعريف الدكتور سليمان ناصر الدرسوني)
تعتبر اللغة هوية البشر، فقد رافقت الإنسان منذ فجر التاريخ وتطورت بتطوره فطبعت مختلفات الحضارات التي شيدها الإنسان بطابعها الخاص. و ما تعدد الثقافات واختلافها قديما وحديثا إلا بسبب تعدد اللغات نفسها وتمايزها فيما بينها. فاللغة ضرورة من ضرورات الحياة نعيشها كل يوم، بل كل لحظة ونستنشقها كما نستنشق الهواء ، وهي أعظم اكتشاف خدم به الإنسان نفسه ، ففتح عالمه المغلق فأوصل نفسه بنفسه وبغيره، واستطاع أن يبني حضارته ويسجل ثقافته وينقلهما عبر تتابع الأزمان وتلون المكان فوارثتها الشعوب جيلا بعد جيل.
تعريف اللغة : اللغة مأخوذة من لغوت أي تكلمت وأصلها لغوة، ولغات. وقيل لغى يلغى إذا هذى. ومن معاني اللغو: النطق ، واللغا: الصوت، و(لغوى الطير) أصواتها. وقد عرفها ابن جني اصطلاحاً بـ حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم).
فاللغة هي سلسلة من الأصوات الدالة المتواضع عليها عند جماعة لغوية معينة يستعملونها كأداة للتبليغ والتواصل. و هذا التعريف يتفق مع كثير من التعريفات الحديثة للغة، بحيث تضمن العناصر الأساسية للغة البشرية فهي ذات طبيعة صوتية وظاهرة اجتماعية تختلف من مجتمع لآخر. واللغة أيضا قدرة ذهنية مكتسبة يمثلها نسق من الرموز الاعتباطية المنطوقة يتواصل بها أفــراد مجتمع ما. و هذه القدرة الذهنية تتكون من جملة المعارف اللغوية تخص المعاني والمفردات والأصوات والقواعد تتولد وتنمو في ذهن المتكلم السامع فتمكنه من إنتاج وفهم عددا لانهائيا من النصوص. و ترتبط هذه القدرة باستعداد فطري يساعد الطفل على اكتساب اللسان من البيئة اللغوية التي يعيش فيها بطريقة لاشعورية .وقد عرف أندري مارتيني ( André Martinet) اللسان بقوله : ” إن اللسان هو أداة تبليغ وعليها يعتمد في تحليل الخبرة الإنسانية التي تختلف من جماعة إلى أخرى، بحيث ينتهي التحليل إلى وحدات ذات مضمون معنوي وصوت ملفوظ وهي العناصر الدالة على معنى monèmes. ويتقطع هذا الصوت الملفوظ بدوره إلى وحدات مميزة ومتعاقبة ، وهي العناصر الصوتية أو الوظيفية phonèmes ويكون عددها محدودا في كل لسان وتختلف هي أيضا من حيث ماهيتها والنسب القائمة بينها باختلاف الألسنة.
تعريف اللسانيات: يرجع مصطلح ( Linguistique) إلى الكلمة اللاتينية ( Lingua) بمعنى اللغة أو اللسان.وظهر لفظ ( Linguistik) كعلم موضوعي للسان البشري أول ما ظهر في ألمانيا ،ثم استعمل في فرنسا سنة 1826 وفي انكلترا ابتداء من 1855 . وتعد سنة 1816 - عند كثير من مؤرخي اللسانيات الأوربيين- لحظة ميلاد اللسانيات لصدور أول كتاب تحلل فيه لأول مرة في التاريخ عدة لغات من الوجهة التاريخية وعلى أساس المقارنة العلمية لغرض علمي بحت، يتجنب فيه فرض الحدود والمعايير والتأمل الفلسفي والتحليل الأرسطوطاليسي وصاحب هذا الكتاب اللساني الألماني الشهير فرانتس بوب( Franz.Boop) .
وقد عرف مصطلح(Linguistique) عدة تسميات في اللغة العربية ظهرت في العصر الحديث في عناوين المقالات والبحوث العلمية، مثل مصطلح :علم اللغة، اللغويات، فقه اللغة، الألسنية، علم اللسان، علم اللسانيات….. وفي سنة 1978 نظمت الجامعة التونسية ندوة تحت عنوان ” الألسنية واللغة العربية.
” وأجمع المشاركون في أشغال الندوة على أن أيسر المصطلحات المتداولة في البلدان العربية وأقربها إلى روح اللغة العربية مصطلح ” اللسانيات” وهو المصطلح الذي وضعه الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح وسمي به معهد متخصص بالجزائر وأصدرت به أيضا مجلة متخصصة في علوم اللسان ونقول علم اللسان أو اللسانيات على قياس الرياضيات ولا نقول علم اللسانيات لأن اللاحقة “ات” تقابل اللاحقة”ique“.
تحديد موضوع الدراسة في اللسانيات : تكون علوم اللغة مجموعة من الحقول المعرفية التي تجعل من اللغة هدفا من دراستها. وتعتبر اللسانيات علما رائدا بالنسبة لكثير من العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع وعلم النفس والعلوم الاقتصادية وعلوم الاتصال وغيرها.. واللسانيات هي الدراسة العلمية للغة والألسنة البشرية ، وهي تهتم باللسان باعتباره نشاطا من النشاطات الإنسانية والأكثر خصوصية لأن فهم وظيفة اللسان يمكننا من فهم الكثير من وظائف الكائن البشري . ومن ثم تبحث اللسانيات في الخصائص الذاتية المميزة للألسنة البشرية ، وتبحث أيضا لماذا تعمل اللغة بهذه الطريقة الخاصة بها؟ و في كيفية تطورها بطريقتها الخاصة، وما هي نقاط التقاطع بين مختلف الألسنة البشرية ؟ ولماذا يختلف بعضها عن بعض؟ وما مصادر هذا الاختلاف؟ وهكذا تسعى اللسانيات من أجل بناء نظريات عامة لوصف وتفسير الوقائع اللسانية بعيدا عن كل الاعتبارات الخارجة عن نطاق اللغة البشرية. واللسانيات علم تجريبي مؤسس على الملاحظة والاختبار ويكون هدفه الأساس تكوين نظام قواعدي موجه إلى تفسير الملكة اللغوية لدى الناطقين .
الفيولوجيا ( Philologie) : كان علماء ومفكرو النهضة الأوربية الحديثة يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيين للحضارتين اليونانية والرومانية. فاتجهوا إلى إحياء اللغتين اليونانية و اللاتينية من خلال شرح نصوصهما ونقدها نقدا لغويا. وصار هذا النوع من الدراسة يعرف بـ : “الفيلولوجيا” وهو العلم الذي يعنى بدراسة ونقد النصوص القديمة وتحقيقها والتعليق عليها ودراسة كل ما يتعلق بها لغة وأدبا وثقافة لغرض معرفة الحضارات السابقة انطلاقا من الوثائق المكتوبة. فهي علم نقد النصوص القديمة وتحقيقها.
فقه اللغة: مصطلح عربي أصيل استعمل في القرن الخامس الهجري وهو لا يدل عند القدماء ما يدل عليه علم اللسان الحديث والمراد بهذا العلم الدراسة المتعمقة للغة فقط لا للسان كله وموضوعه البحث عن الفوارق اللغوية الناتجة عن التعارض بين الوضع والاستعمال وما يترتب على ذلك من التفريع الدلالي و تشعبات المعاني فهي دراسة تتعرض للمفردات خاصة من حيث تنوع معانيها إما بتنوع تصورات الأشخاص بصفة عامة وإما بتنوع استعمالها اللهجي أو الاصطلاحي وحتى البلاغي أحيانا ومن هنا ففقه اللغة هو امتداد وفرع لعلم اللسان.
فروع اللسانيات: تشمل اللسانيات دراسة كل الظواهر اللغوية وما يتصل بها من ظواهر أخرى تدرسها العلوم المختلفة كعلم النفس وعلم الاجتماع والاتصال والإعلام وغيرها من العلوم التي تتناول ظاهرة اللغة والكلام لدى البشر. وتنقسم اللسانيات عادة إلى فرعين كبيرين:
اللسانيات النظرية( Linguistique théorique) وتسعى إلى بناء وتكوين نظرية عامة لوصف وتفسير اللغة البشرية وتضم علم الصوت وعلم الصرف وعلم النحو وعلم الدلالة وعلم المعاجم. وبدورها تنقسم إلى قسمين:
أ- اللسانيات العامة: وتسعى لتأسيس ووضع نظريات عامة تخص جميع الألسنة البشرية.
بـ - اللسانيات الخاصة: وتعنى بدراسة لغة واحدة فنقول لسانيات عربية ولسانيات فرنسية…
اللسانيات التطبيقية(Linguistique appliquée ) : هدفها تطبيق النتائج المتوصل إليها في الدراسة العلمية للغة في ميادين علمية مختلفة وتضم تعليمية اللغات وصناعة المعاجم والترجمة وأمراض الكلام ومختبرات اللغات واكتساب اللغة ….
اللسانيات الاجتماعية( Sociolinguistique ): ويدرس هذا الفرع العلاقة الموجودة بين اللغة محيطها الاجتماعي والثقافي، وينظر في أبعاد هذه العلاقة وأشكالها المختلفة التي تظهر في تعدد المستويات اللغوية في المجتمع الواحد أو تعدد اللغات واللهجات أيضا وتحديد الجماعات التي تستخدمها سواء أكانت هذه الجماعات عرقية أو دينية أو مهنية كما تهتم بقضية تخطيط اللغوي…
اللسانيات النفسية( Psycholinguistique) : تهتم بدراسة المهارات والعمليات العقلية التي تقوم عليها عمليتا فهم و إنتاج اللغة . ومن أهم الظواهر التي تدرسها اللسانيات النفسية ، ظاهرة اكتساب اللغة وتعلمها، والصعوبات التي تواجه الصغار والكبار في تعلم اللغة الأم، أمراض الكلام مثل (الحبسة ، صعوبة القراءة تأخر الكلام…)..
اللسانيات العصبية ( Neurolinguistique ): غايتها وصف وتفسير الأسس العصبية للغة والكلام ومن ثم وصف العمليات المرتبطة باستعمال اللغة والمشكلات التي تواجه مستعمل اللغة ( صغيرا أم كبيرا) والتي تعرف بأمراض الكلام.
اللسانيات الأجناسية ( Ethnolinguistique ): تدرس الدور الذي تؤديه اللغة في ثقافة المجتمع كما تدرس اللغة في إطار ثقافي اجتماعي كدراسة الطريقة التي يتواصل ويتفاهم بها الناس في مجتمع معين وكيف تؤثر العلاقات الاجتماعية بين الناس على نوع اللغة المستعملة؟